الرقية الشرعية .. تعريفها، شروطها و طريقتها

التعريف بالرقية الشرعية :

قـال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه: ( ” رقى ” هي ما يقرأ من الدعاء لطلب الشفاء من القرآن ، ومما صح من السنة . وأما ما اعتاده الناس من الكلام المسجوع الممزوج بكلمات لا يفهم لها معنى، وقد تكون من الكفر والشرك، فإنها ممنوعة. ومن السخافات مـا يضاف إليها من الخبز بعد أن تدخل فيه السكين أو السيخ، أو الماء بعد أن يوضع في أوان كتب عليها بعض الكلام، أو وضع فيها الأوراق التي كتب عليها الكلام والطلسمات ، فإنها من عمل الشيطان ، وتخريف أدعياء العلم ، ويساعد عليها ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو صح قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” هي من قدر الله ” فمعناه : أن قدر الله كائن لا يُرد )

المعنى الاصطلاحي للرقية الشرعية :

قـال شمس الحق العظيم أبادي : ( الرقية : هي العوذة – بضم العين – أي ما يرقى به من الدعاء لطلب الشفاء.) ( عون المعبود شرح سنن أبي داوود – 10 / 370 ) ..

قـال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه : ( الرقى بمعنى التعويذ ، والاسترقاء طلب الرقية ، وهو من أنواع الدعاء. ) ( مجموع الفتاوى – 1 / 182 ، 328 – 10 / 195 )..

قلت : إذا فمعنى الرقية لا يختلف من الناحية اللغوية ولا من الناحية الاصطلاحية بحيث أن المعنى واحد ألا وهو طلب الشفاء بتعاويذ ورقى شرعية من القرآن والسنة .

شروط الرقية الشرعية :

قـال الإمام السيوطي – رحمة الله عليه – : وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط :

1 – أن يكون بكلام الله تعالى وبأسمائه وصفاته .

2 – أن يكون بلسان عربي وبما يعرف معناه .

3 – أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى .

قـال ابن حجر في الفتح : ( قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع هذه الشروط ).( فتح الباري – 10 / 206 ) …

قـال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه :

وأما معالجة المصروع بالرقى والتعويذات فهذا على وجهين :

أ – فـإن كانت الرقى والتعاويذ مما يعرف معناه ومما يجوز في دين الإسلام أن يتكلم بها الرجل داعيا الله ذاكرا له ومخاطبا لخلقه ونحو ذلك فإنه يجوز أن يرقي بها المصروع ويعوذ ، فإنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن في الرقى، ما لم تكن شركا. وقال{ من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل}(السلسلة الصحيحة 472 )

ب – وإن كان في ذلك كلمات محرمة مثل : أن يكون فيها شرك أو كانت مجهولة المعنى يحتمل أن يكون فيها كفر فليس لأحد أن يرقي بها ولا يعزم ولا يقسم ، وإن كان الجن قد ينصرف عن المصروع بها فإنما حرمة الله ورسوله ضرره أكثر من نفعه (مجموع الفتاوى – 23 / 277 )..

وقـال أيضا : ( ولا يشرع الرقى بما لا يعرف معناه ولا سيما إن كان فيه شرك، فإن ذلك محرم ، وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك ، وقد يقرؤون مع ذلك شيئا من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك ، وفي الاستشفاء بما شرعه الله ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله.. ) ( إيضاح الدلالة في عموم الرسالة – 45 ) .

وقـال الإمام النووي : ( الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة لا نهي فيه ، بل هو سنة وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى )( صحيح مسلم بشرح النووي – 15 / 341 ) .

قـال كذلك : ( قال الخطابي : وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالرقية، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي مباحة ، وإنما جاءت الكراهية منها لما كان بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفرا أو قولا يدخله الشرك. ويحتمل أن يكون الذي كره من الرقية ، مـا كان منها على مذاهب الجاهلية في العوذ التي كانوا يتعاطونها ويزعمون أنها تدفع عنهم الآفات ، ويعتقدون أنها من قبل الجن ومعونتهم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي ) .

قـال الذهبي : ( قال الخطابي : أما إذا كانت الرقية بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي مباحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي الحسن والحسين – رضي الله عنهما – فيقول : { أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة } .. وبالله المستعان وعليه التكلان ) ( كتاب الكبائر – ص 17 ) .

قـال القاضي علي بن أبي العز الدمشقي: ( واتفقوا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته الجن أو غيرهم، وكذلك كل كلام فيه كفر لا يجوز التكلم به ، وكذلك الكلام الذي لا يُعرف معناه لا يُتكلم به، لإمكان أن يكون فيه شرك ولا يعرف ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا }) ( شرح العقيدة الطحاوية – ص 570 ) .

قـال الهيثمي : ( وإن كانت العزيمة أو الرقية مشتملة على أسماء الله تعالى وآياته والإقسام به ، جازت قراءتها على المصروع وغيره وكتابتها كذلك ) ( الفتاوى الحديثة – ص 120 ) .

قـال الإمام الشوكاني – رحمه الله – : ( جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور ، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور )( نيل الأوطار – 3 / 291 ) .

ويقول الشيخ عمر الأشقر : ( والرقية ليست مقصودة على إنسان بعينه، فإن المسلم يمكنه أن يرقي نفسه ، ويمكن أن يرقي غيره ، وأن يرقيه غيره ، ويمكن للرجل أن يرقي امرأته ، ويمكن للمرأة أن ترقي زوجها ، ولا شك أن صلاح الإنسان له أثر في النفع ، وكلما كان أكثر صلاحا كان أكثر نفعا ، لأن الله تعالى يقول : ﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾ )(عالم السحر والشعوذة – ص 204) .

النصوص القرآنية الدالة على أن القرآن شفاء

1 – يقول الله تعـالى : ﴿ وننـزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ﴾ ( سورة الإسراء – الآية: 82 )…

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره : ( أي : فـالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة . وليس ذلك لكل أحد ، وإنـما ذلك للمؤمنين به المصدقين بآياته ، العاملين به.

فالشفاء : الذي تضمنه القرآن ، عـام لشفاء القلوب ، من الشبه ، والجهالة ، والآراء الفاسدة والانحراف السيئ ، والمقصود الرديئة. فـإنه مشتمل على العلم اليقين، الذي تزول به كل شبهة وجهالة. والوعظ والتذكير ، الذي يزول به كل شهوة ، تخالف أمر الله .

2 – قال الله تعالى : ﴿ يا أيها الناس قد جائتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ﴾ ( سورة يونس – الآية: 57 )…

قـال الشيخ العلامـة عبد الرحمن ناصر السعدي رحمه الله : (” شفاء لمـا في الصدور ” وهو : هذا القرآن شفاء لما في الصدور ، من أمراض الشهوات الصادرة عن الانقياد للشرع ، وأمراض الشبهات ، القادحة في العلم اليقيني . فـإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة. إذا وجدت فيه الرغبة في الخير ، والرهبة عن الشر،ونمتا على تكرار مـا يرد إليها، مـن معاني القرآن ، أوجب ذلك ، تقديم مراد الله على مراد النفس ، وصار مـا يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه . وكذلك ما فيه من البراهين ، والأدلة التي صرفها الله غاية التصريف، وبينها أحسن بيان مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجـات اليقين . وإذا صح القلب مـن مرضه ورفل بأثواب العافية ، تبعته الجوارح كلها ، فإنها تصلح بصلاحه وتفسد بفساده ) ( تيسير الكريم الرحمن – 2 / 326 ) .

3- قال الحق تبارك وتعالى : ﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ﴾ ( سورة فصلت – الآية 44 ) …

قـال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره لهذه الآية : ( أي : يهديهم لطريق الرشد ، والصراط المستقيم ، ويعلمهم من العلوم النافعة ما به تحصل الهداية التامة . وشفاء لهم من الأسقام البدنية ، والأسقام القلبية ، لأنه يزجر عن مساوئ الأخلاق ، وأقبح الأعمال ، ويحث على التوبة النصوح ، الـتي تغسل الذنوب وتشفي القلب ) ( تيسير الكريم الرحمن – 4 / 403 )…

النصوص الحديثية الدالة على أن القرآن شفاء :

1 – عـن عبد الله بن مسعود وعائشة ومحمد بن حاطب وجميلة بنت المجلل – رضوان الله عنهم أجمعين – : قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض فدعا له، وفي رواية يعوذ بعضهم بمسحه بيمينه ويقول : { أذهب البأس . رب الناس . واشف أنت الشافي . لا شفاء إلا شفاؤك . شفاء لا يغادر سقما } ( أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب السلام – 46، 47، 48 ) .

قـال ابن قيم الجوزية رحمة الله عليه : ( في هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته وكمال رحمته بالشفاء ، وأنه وحده الشافي ، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه، فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته ) ( زاد المعاد – 4 / 188 )…

2- عن عثمان بن أبي العاص – رضي الله عنه – أنه قال : ( أتـاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني ، فقال: ( امسح بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه، من شر ما أجد . قال : ففعلت فأذهب الله ما كان بي ، فلم أزل آمر به أهلي وغيري ) ( صحيح الترمذي – 1696 ) .

قـال النووي : ( ومقصوده أنه يستحب وضع يده على موضع الألم ، ويـأتي بالدعاء المذكور . والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 / 357 ) .

3- عن ابن عباس- رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك. إلا عوفي } ( قال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 5766 ) .

قلت : في قول النبي صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يعود مريضا” أي يزوره. وفي قوله ” لم يحضر أجله” أي لم يحن وقت موته والمرض الذي بـه ليس بمرض الموت. وفي قوله ” إلا عوفي” أي : إلا شفاه الله من مرضه بدعوة أخيه له .

4- عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عليكم بالشفاءين العسل والقرآن } ( أحاديث معلة ظاهرها الصحة – للشيخ أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي – برقم 247 )…

قال ابن طولون : ( وقولـه صلى الله عليه وسلم : ” عليكم بالشفاءين العسل والقرآن” وجمع في هذا القرآن بين الطـب البشري والطـب الإلهي، وبين الفاعل الطبيعي والفاعل الروحـاني ، وبين طـب الأجساد وطـب الأنفس ، وبالسبب الأرضي والسبب السماوي، . وقوله صلى الله عليه وسلم : ” عليكم بالشفاءين” فيه سر لطيف أي لا يكتفي بالقرآن وحده ويبطل السعي . بـل يعمل بمـا أمر ويسعى في الرزق كما قدر ، ويسأله المعونة والتوفيق ) ( المنهل الروي في الطب النبوي – بتصرف – ص : 250 ) .

5- عن عائشة – رضـي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها ، فقال : { عـالجيها بكتاب الله } ( أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم : 1419 ، أنظر السلسلة الصحيحة 1931 ) .

قـال الشيخ العلامة محمد ناصر الـدين الألباني – رحمه الله – : ( وفي الحديث مشروعية الرقية بكتاب الله تعالى،ونحوه مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى. أما غير ذلك من الرقى فلا تشرع، لا سيما ما كان منها مكتوبا بالحروف المقطعة ، والرموز المغلقة ، التي ليس لها معنى سليم ظاهر ، كما ترى أنواعا كثيرة منها في الكتاب المسمى : شمس المعارف الكبرى.. ونحوه ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة – 4 / 566 بتصرف ) .

أقوال أهل العلم في التداوي بالرقية الشرعية :

قال الإمـام النووي – رحمه الله – في شرح ” ومـا أدراك أنها رقية” : ( فيه التصريح بأنهـا رقية فيستحب أن يقرأ بها على اللديغ والمريض وسـائر أصحاب الأسقام والعاهات ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 / 356 ) .

وقال الحافظ بن حجر :( قال الإمام القرطبي معلقا على حديث عائشة – رضي الله عنها – : بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا ، بـإذن ربنا ) : فيه دلالة على جواز الرقى من كل الآلام ) ( فتح الباري – 10 / 208 ) .

وقال ابن قيم الجوزية – رحمه الله تعالى – : ( فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، ومـا كل أحـد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان ، وقبول تام ، واعتقاد جازم ، واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الـداء أبـدا ، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها ، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه،قال تعالى : ﴿ أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ﴾ ( سورة العنكبوت، الآية : 51 ).. ثم قال: فمن لم يشفه القرآن ، فلا شفاه الله ، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله ) ( الطب النبوي – ص : 352 ) .

وقال : ( واعلم أن الأدوية الإلهية تنفع من الداء بعد حصوله ، وتمنع من وقوعه ، وإن وقع لم يقع وقوعا مضرا وإن كـان مؤديا ، والأدوية الطبيعية إنمـا تنفع بعد حصول الـداء ، فالتعوذات والأذكار إما أن تمنع وقوع هذه الأسباب ، وإمـا أن تحول بينها وبين كمال تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه ، فالرقى والعوذ تستعمل لحفظ الصحة ، ولإزالة المرض ) ( زاد المعاد – 4 / 182 ) .