دعاء سيدنا ابراهيم عليه السلام

أوّل ما يطالعنا من دعاء سيدنا إبراهيم في سورة البقرة في سياق الحديث عن بناء البيت الحرام وقد انطوى الدعاء على طلب الأمن والأمان للبيت الحرام وأهله والثبات على الإسلام لذريته كما في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثّمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر …} وجاء السياق نفسه في سورة إبراهيم قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام}.

ونلحظ في تكرار الدعاء في سورة إبراهيم تفاوتاً في التعبير حيث جاء لفظ البلد على التكبيرة مرّة وعلى التعريف ثانية وما في ذلك من تجديد للسياق فضلاً عن المعنى العام فقد يكون ـ والله أعلم ـ إن الدعاء في سورة إبراهيم جاء بعد إن جعل المكان المطلوب بلداً آمناً فخصّ حينها بالتعريف فضلاً عن ذلك فإن “النكرة إذا تكررت وأعيدت صارت معرفة ومثله في التنزيل(فيها مصباح المصباح في الزّجاجة كأنّها كوكب …} أو أن التعريف والتنكير بالدعاء جاء “بعد ما صار المكان بلداً فقوله (اجعل هذا بلداً آمناً) تقديره: اجعل هذا البلد بلداً آمناً كقولك: كان اليوم يوماً حارّاً وهذا إنّما تذكره للمبالغة في وصفه بالحرارة: لأنّ التنكير يدلّ على المبالغة”

ومما يثير الانتباه من مجمل أدعية إبراهيم كثرة ذكره لوالديه وذريته قال تعالى: (ربّ اجعلني مقيم الصّلاة ومن ذرّيّتي ربّنا وتقبّل دعاء * ربّنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب}

ولعلّ سبب الدعاء لذريّته هو أنّها “أحقّ بالشفعة والنصيحة قال تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً …} ولأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم وشايعو الخير”( ) في حين أنّ الدعاء للوالدين وتخصيصهما بطلب المغفرة والرحمة واجب يحتمه الشرع ويقره العرف وتعزّزه مشاعر الوقاء للوالدين لما بذلاه في سبيل تنشئة ولدهما وهذا ما أمر الله تعالى به نبيّة الكريم بدعائه لوالديه بقوله: (واخفض لهما جناح الذّلّ من الرّحمة وقل ربّ ارحمهما كما ربّياتي صغيراً}

ومن بين ما نلاحظه في بعض دعاء إبراهيم تقديمه لدعاء الثناء قبل دعاء المسألة كما في قوله تعالى: (الّذي خلقني فهو يشفين * والّذي يميتني ثمّ يحيين}. فقد أثنى على الله تعالى وعظّمه بأن ذكر خلقه ونعمه فعقّب على ذلك بسؤاله وطلبه بقوله: (ربّ هب لي حكماً وألحقني بالصّالحين * واجعل لي لسان صدقٍ في الآخرين} إلى آخر دعوته حيث تجد في تقديم الثناء على السؤال أدباً رائعاً ومنهجاً لطيفاً في تعليم كيفية دعائه تعالى وما ينبغي للداعي أن يتحلّى به عند مخاطبته جلّ وعلا فضلاً عمّا فيه من حسن الانتقال والتخلّص من حال لحال فإبراهيم قد تقرّب “إلى الله تعالى بدعوا تأهل الإخلاص وابتهل إليه ابتهال أل الأمانة لأنّ الطالب من مولاه إذاقدم قبل سؤاله والتضرّع إليه ذكره بالصفات الحسنى والاعتراف بنعمه كان ذلك أسرع للإجابة وأنجح للمطلوب ولهذا فإن كل من أراد حاجةً إلى الله تعالى فإنّه يستحبّ تقديم الثناء على الله بما هو أهله وذكر صفاته وحمده وشكره ثمّ يسأل حاجته بعد ذلك فإنّ ذلك يكون أقرب للإجابة وأسنى لإنجاح الرغبة وإنجازها ” وقد جمع إبراهيم إلى جانب أدب دعائه أدب مخاطبته الله تعالى كما في نسبة الشفاء إليه عزّوجلّ دون المرض وهو بذلك قد “أسند أفعال الخير كلّها لله وأسند فعل الشرّ لنفسه” تضرّعاً إليه وخضوعاً له جلّ وعلا.

ومما يمكن رصده من دعاء إبراهيم دعوته لخاتم الأنبياء وسيدهم محمد كما جاء على لسانه قوله تعالى: (ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يثلوا عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنّك أنت العزيز الحكيم} كما نلحظ أن إبراهيم ما دعا على قومه أبداً ولم يرد لذلك شاهد دعائي على الإطلاق والله أعلم.