دعاء الملائكة للمؤمنين

من الطريف أن ينقل القرآن الكريم أدعية لجنس آخر من خلق الله تعالى وهم الملائكة وأغلب ما جاء عنهم دعاؤهم للمؤمنين وأهل الجنّة بالسلامة وإلقاء التحية عليهم قال تعالى: (… والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار}. وأطول ما ورد عن الملائكة من دعاء دعاؤهم في سورة غافر قال تعالى: (الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به يستغفرون للّذين آمنوا ربّنا وسعت كل شيءٍ رحمةً وعلماً فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربّنا وأدخلهم جنّات عدن الّتي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم إنّك أنت العزيز الحكيم * وقهم السّيئات ومن تق السّيّئات يومئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} فإنّك تلحظ في هذه الآيات الكريمة أنّها بدأت بوصف الملائكة المسبّحين بالإيمان واستغفارهم لمن على شاكلتهم في الإيمان بمعنى أنّه “قد روعي التناسب في قوله: (يؤمنون به} {ويستغفرون للّذين آمنوا) كأنّه قيل: ويؤمنون ويستغفرون لمن في حالهم وصفتهم وفيه تنبيه على أن الاشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة وأبعثه على إمحاض الشفقة وإن للمؤمنين الأجناس وتباعدت الأماكن “.

ثمّ الملائكة قدّموا قبل الدعاء للمؤمنين الثناء لله تعالى وذلك قوله: (ربّنا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلماً) وهذا أدب رفيع من آداب الدعاء سبقت الإشارة له في مواضع عديدة ليكون الدعاء أقرب للإجابة وعليه فقد جاء الثناء في دعاء الملائكة هذا بان وصفوا الله تعالى بـ “الربوبية والرحمة والعلم” وقد يجد المتدبّر في هذه الآيات سؤالاً في نفسه حول قائدة قوله تعالى: (وقهم عذاب الجحيم) بعد قوله جلّ وعلا: (فاغفر للّذين تابوا) فالمغفرة تستوجب الوقاية من العذاب والوقاية تستوجب سبق المغفرة عليها وقد انتبه إلى ذلك الفخر الرازي فأجاب أن “دلالة لفظ المغفرة على إسقاط عذاب الجحيم دلالة حاصلةعلى الرمز والإشارة فلما ذكروا الدعاء على سبيل الرمز والإشارة أردفوه بذكره
على سبيل التصريح لأجل التأكيد والمبالغة”. وعلى أية حال فإنّ في دعاء الملائكة للمؤمنين بيان لمنزلة المؤمنين السامية في العوالم الأخرى وتشريف لهم بأن أخبر تعالى بذلك على لسان جملة العرش من الملائكة.