دعاء سيدنا موسى النبي عليه السلام على فرعون + أدعية أخرى

جسدت أدعية موسى مواق متعدّدة من أحواله بيّنت خلالها اتّصاله الوثيق بالله تعالى ودعاءه في مختلف أوضاعه في سرّائه وضرّائه مظهراً حاجته وفقره مرّة وتضرّعه وخضوعه مرّة أخرى.

وكما جاءت أدعية الأنبياء موزّعة بحسب ما يقتضيه المقام ويتطلّبه السياق فقد تعدّدت مواع أدعية موسى تبعاً لاستكمال حلقات قصّته على اختلافها إجمالاً وتفصلاً لأنّ “السياق هو الذي يحدّد القدر الذي يعرض منها في كلّ موطن كما يحدّد طريقة العرض والأداء بما يحقّق التناسق والجمال الفنّي”
ويمكننا ترتبيب دعاء موسى بدءاً من سورة القصص حيث نجد فيها التفصيل لقصّة موسى قبل نبوءته وما جاء على لسانه من دعاء في نلك الفترة التي ضمّت مواضع ثلاثه لأدعيته أولها كان بعد قتله القبطي قال تعالى: (قال ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفرلي فغفر له إنّه هو الغفور الرّحيم}( ) ومن اللطيف هنا أن هذه الآية جمعت الندم والاستغفار والغفران معاً وإنّها جمعت الدعاء والإجابة في موضع واحد.
وجاء دعاؤه ثانية أثناء خروجه من المدينة خائفاً من تشاورأهلها على قتله وتوجّهه إلى مدين قال تعالى: (فخرج منها خائفًا يترقّب قال ربّ نجّني ممنالقوم الظّالمين * ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسى ربّي أن يهديني سواء السّبيل}
ويأتي الموضع الثالث من دعائه في الفترة نفسها بعد أن سقى لا بنتي شعيب موضّحاً تعلّقه بالله تعالى وفقره لكلّ خير ينزله قال تعالى: (فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظّلّ فقال ربّ إنّي لما أنزلت إلّى من خير فقير}
وبعد إرسال موسى ترى في دعائه توقّع تكذيبه من قومه وخوفه منهم لذا فقد دعا بأن يمكنه من القيام بدعوته على أتمّ وجه وأنجحه. قال تعالى: (قال ربّ اشرح لي صدري * ويسّرلي أمري * واحلل عقدةً من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرًا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري}
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا تكرار ذكرهارون في أغلب دعائه وما في ذلك من الدلالات على تعظيم منزلة أخيه وإظهار مكانته الوافية في نفس موسى ودعوته إلى الله فهو أخوه وأمينه قال تعالى: (قال ربّ إنّي قتلت منهم نفسًا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح منّي لسانًا فأرسله معي ردءًا يصدّقني إنّي أخاف أن يكذبون}
ومن جملة أدعية موسى نلحظ طلبه الدائم في إرسال أخيه معه تصديقاً لدعوته وقوّة لحجّته فمنزلته للموسى بمثابة نفس موسى قال تعالى: (قال ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي فافرق وبيننا وبين القوم الفاسقين) فقد وازن موسى بينه وبين أخيه هارون في إخلاصهما لله وبذلهما كلّ شيء في سبيله ونصرته.
وتسخير كلّ ما أنعم الله عليهم في الصدّ عن سبيله حيث دعا عليهم دعاء الشاكي منهم اليائس من إيمانهم وهدايتهم قال تعالى: (وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً ي الحياة الدّنيا ربّنا ليضلّوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يومنوا حتّى يروا العذاب الأليم}
فإنّك تلحظ في تكرار تضرعه بلفظ(ربّنا) شعوراً بمدى معاناته منهم وحرصاً على تأكيد إهلاكهم لأنّهم قابلوا آيات الله وتحذيره ووعظه لهم بزيادة الكفر والضلال فعظهم و “اشتدّ غضبه عليهم وأفرط في مقته وكراهيته لحالهم فدعا الله عليهم بما علم أنّه لا يكون غيره”
وممّا يعطي لسياق الدعاء قوّة مجيئه مكرّراً بلفظ(اطمس) و(اشدد) فضلاً عمّا في طلب الإيمان لهم بعد أن يروا العذاب. ليكن ذلك عذاباً آخر لهم وحسرة في قلوبهم على ترك الإيمان وهجر الحقّ والله أعلم.