دعاء سيدنا آدم عليه السلام

على كثرة ما وردت قصة آدم في القرآن الكريم إلاّ أنّ دعاءه لم يذكر إلاّ في موضع واحد فقد جاء ذكر آدم وقصّته في سورة البقرة وسورة ص وسورة الحجر وسورة الأعراف التي صرّح فيها بدعائه وزوّجه حواء في قوله تعالى: (قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} ولعلّ ذلك يرجع إلى طبيعة التعبير الفني الذي ينهجه القرآن طريقاً عرض قصصه حيث ترى مسير الأحداث في القصّة يتناسب تناسباً كليّاً مع السياق العالم الذي ترد فيه فمرّة تلحظ الإجمال في عرض جانب من القصّة وقد تلمح في موضع آخر أن ما أجمل هناك فصّل هنا وهكذا يمضي الأسلوب القرآني في عرض قصص الأنبياء ففي كلّ موضع جديد تبصر مشهداً جديداً أو جانباً آخر ما سبقت الإشارة إليه حتّي تكتمل لآلئ القصّة فينتظم عقدها وتسلسلها بشكل عجيب وساحر. عليه فقد ناسب ذكر دعاء آدم في الأعراف ما جاء “قبل القصّة من ندم المعاقبين من بني آدم ” الذي أبان عنه قوله تعالى: (وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون * فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}.

إلاّ أنّ التوافق بين سياق قصّة آدم وما قبله لا يمنع أن يوجد فرق بينهما فقد عبّر آدم عن ظلمه لنفسه بالفعل في حين أن ما جاء على لسان بينه من الظلم بالسم والتفاوت بين التعبيرين دال على الختلاف التعامل معهما يقول الدكتور فاضل السامرائي “انظر كيف كانت العقوبة على قدر الظلم فقد قال آدم: (ظلمنا) بالصيغة الفعلية الدالّة على الحدوث والطروء للدلالة على أنّها زلّة طارئة وليست معصية إصرار وقال أبناؤه: (إنّا كنّا ظالمين) بالصيغة الإسمية الدالّة على الثبات على الظلم والإصرار فتاب على الأوّلين وأهلك الآخرين” ونلحظ كذلك في دعاء آدم وزوجه التعلّق العظيم بغفران الله تعالى وثقتهما المطلقة برحمته من جانب وخشيتهما ووجلهما من جانب آخر لذا فقد أظهرا اعترافهما بالظلم لأنفسهما ووضعا أمرهما في موضع الراجي والخائف في آنٍ واحد وهذا ما يوحي إليه سياق الشرط في الدعاء حيث أكّدا جملة جواب الشرط(باللّام ونون التوكيد الثقيلة) زيادة في تأكيد حالهما المتأرجح بين الرجاء والخوف يرجون المغفرة والرحمةو يخافون الخسران وعاقبتهو من اللطيف أن قدّمت المغفرة على الرحمة وفي هذا دلالة دقيقةً تكشف عن أنّ الرحمة لا تنال إلاّ بالمغفرة فلا وجه للرحمة مع الإصرار على المعصية أو بقائها وهذا التعبير بتقديم طلب المغفرة على الرحمة متعارف عليه أغلب سياقات الدعاء في القرآن كما في قوله تعالى على لسان المؤمنين: (واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} والله أعلم.