الغيرة عند المرأة في الإسلام

الغيرة خاصية شديدة أودعها الله قلب المرأة، و هي تتطلب الصبر و التحمل للحصول على الأجر عن إبن مسعود رفعه إن الله كتب الغيرة على النساء، و الجهاد على الرجال، فمن صبر منهن إيمانا و إحتسابا كان لها مثل أجر الشهيد. و شدة الغيرة عند الزوجة تعمى بصرها و بصيرتها عند هيجانها، فلا تحسن التصرف، و قد تقع في الخطأ، فلا تواخذ على تصرفاتها، لأن الغضب يحجب عقلها عندما تغار، عن عائشة مرفوعا: إن الغيراء لا تبصرأسفل الوادي من أعلاه.

و أصل الغيرة غير مكتسب للنساء، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام، و ضابط ذلك ما ورد في حديث جابر الأنصاري رفعه : من الغيرة ما يحب الله، و منها ما يكره الله: فأما ما يحب الله فالغيرة في الريبة، و أما ما يكره الله فالغيرة في غير ريبة. و هذا التفصيل يتمحض في حق الرجال لضرورة إمتناع إجتماع زوجين للمرأة بطريق الحل، و أما المرأة حيث غارت من زوجها في إرتكاب  محرم إما بالزنى مثلا، و إما بنقص حقها و جورها عليها لضرتها و إيثارها عليها، فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن فيه فهي غيرة مشروعة، فلو وقع ذلك بمجرد التوهم من غير دليل فهي الغيرة في غير ريبة.

وأما إذا كان الزوج مقسطا عادلا، و أدى لكل من الضرتين حقها، فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل. و على هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك.

و الغيرة موجودة في كل النساء حتى في صفوة نساء العالمين أمهات المؤمنين، زوجات القوي الأمين المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة و التسليم. فكن يغرن على رسول الله صلى الله عليه و سلم غيرة شديدة تصل لحد الهجر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، و إذا كنت علي غضبى ، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ز رب محمد، و إذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل و الله يا رسول الله، ما أهجر إلا إسمك.

قول الرسول صلى الله عليه و سلم إني لأعلم إذا كنت عني راضية..إلخ يؤخذ منه إستقرار الرجل حال المرأة من فعلها أو قولها فيما يتعلق بالميل إليه و عدمه، و الحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك، لأنه صلى الله عليه و سلم جزم برضا عائشة و غضبها بمجرد ذكرها إسمه و سكوتها، فبنى على تغير الحالتين من الذكر و السكوت تغير الحالتين من الرضا و الغضب. و قول عائشة أجل يا رسول الله ما أهجر إلا إسمك قال الطيبي: هذا الحصر لطيف جدا، لأنها أخبرت أنها إذا كانت في حال الغضب الذي يسلب العاقل إختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة.

و بما أن الغيرة فطرة فطر الله عليها الزوجة، فعلى الزوج أن يحسن تهدئتها في زوجته، حينما تثور بالملاطفة و العفو و المسامحة، إقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم، و قضاء على الخلافات التي تنشأ من ثوراتها، عن أنس قال: مان النبي صلى الله عليه و سلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه و سلم في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة فإنفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه و سلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصفحة و يقول: غارت أمكم ، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، و أمسك المكسورة في بيت التي كسرت.