آية التعدد في القرآن الكريم و تفسيرها
آية التعدد
وردت آية التعدد في القرآن الكريم في آيتين في سورة النساء
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) [النساء:3]
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء:129]
ولا تعارض بين الآيتين حتى نقول يلزم معرفة أيهما نزلت أولاً، فنحكم على الثانية أنها ناسخة لها، ويكفي أن تعرف معنى الآيتين والمقصود منهما، وبالرجوع إلى كلام المفسرين يتضح لك الأمر، قال الإمام ابن كثير عند قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النساء:129].
“أي: لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلابد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس، وعبيدة السلماني… وقال ابن أبي حاتم.. عن ابن أبي مليكة قال: نزلت هذه الآية (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) في عائشة، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها أكثر من غيرها، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن… عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: “اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” يعني: القلب.
هذا لفظ أبي داود، وهذا إسناد صحيح… وقوله (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أي: فإذا ملتم إلى واحدة منهن، فلا تبالغوا في الميل بالكلية (فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ) أي: فتبقى هذه الأخرى معلقة… لا ذات زوج ولا مطلقة.
وقال أبو داود الطيالسي: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط” تفسير ابن كثير 1/738.
وحديث أبي هريرة هذا في المسند والسنن فمعنى الآية إذا: هو أنكم لا تستطيعون العدل في الميل القلبي والمحبة والجماع، وهذا لا يملكه الإنسان، وإنما يطالب بالعدل في المبيت والنفقة، وهذا هو المقصود من الآية الأخرى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً). قال الإمام ابن كثير: وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي: فإن خشيتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) فمن خاف من ذلك، فليقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري، فإنه لا يجب قسم بينهن.
فتحصل أن الميل على قسمين: ميل يمكن للمرء تجنبه، كعدم العدل في المبيت والنفقة، فمن خشي من الوقوع فيه وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ما ملكت يمينه، وهذا هو المراد بقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).
وميل لا يمكن للمرء تجنبه، كميل القلب والشهوة، وهذا معفو عنه، ووجوده لا يمنع التعدد، وهو المراد بقوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ).