ما هو الدعاء في الإسلام

الدُّعَاءُ هُوَ سُؤَالُ الْعَبْدِ رَبَّهُ، والدعاءُ من أعظمِ العبادة، أي مِن أعظمِ ما يُتَعَبَّدُ بهِ. وقد أخرجَ الترمذيُّ من حديثِ أنسٍ [ الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ ]. وقد توارَدَت الآثارُ عن النبيِّ  بالتَّرغيبِ في الدُّعاءِ والحثِّ عليه. فقد أخرجَ ابنُ ماجه من حديثِ أبِي هريرةً [ لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ، سُبْحَانَهُ، مِنَ الدُّعَاءِ] وأخرجَ البخاريُّ حديثَ [ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ ] وحديث ابنِ مسعودٍ [ سَلُواْ اللهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ ] أخرجهُ الترمذي وله من حديثِ ابن عمر [ إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ] وأخرجَ الترمذيُّ والحاكمُ من حديث عُبادة بن الصَّامت [ مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ] ولأحمدَ في حديث أبِي سعيد رفعَهُ [ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَث: إِمَّا أَن يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا أَن يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَن يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ].

فهذه الأحاديثُ وغيرُها تدلُّ في مجموعِها على ثبوتِ الدُّعاء وهو سؤالُ العبدِ ربَّهُ. وقد وردت في القُرْآنِ عدَّة آياتٍ تدلُّ على الدُّعاءِ قال تعالى وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وقال وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ وقال أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ وقال عن دُعاءِ الملائكة الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍرَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ.

فاللهُ تعالَى قد طلبَ منَّا أنْ ندعوَهُ وبيَّن لنا أنه وحدَهُ الذي يجيبُ الدعاءَ دون غيرهِ. وأوضحَ لنا شيئاً مما كانت تدعُوا به الملائكةُ فَيُنْدَبُ للمسلمِ أن يدعُو اللهَ في السَّراءِ والضرَّاء في السرِّ والعَلَنِ حتى ينالَ ثوابَ الله. والدعاءُ أفضلُ من السُّكوت والرضَا لكثرةِ الأدلة الدالَّة عليه ولِمَا فيه من إظهارِ الخضوعِ والافتقار إلى اللهِ تعالى. ولكن يجبُ أن يكون واضحاً أنَّ الدعاءَ لا يُغَيِّرُ ما في علمِ الله، ولا يدفعُ قضاءً، ولا يسلِبُ قَدراً، ولا يُحدِثُ شيئاً على غيرِ سَبَبِهِ. لأن علمَ الله متحقِّقٌ حَتماً، وقضاءُ الله واقعٌ لا محالةَ. إذ لو دفعَهُ الدعاءُ لَمَا كان قضاءً. والقدرُ أوجدَهُ الله فلا يسلبهُ الدعاءُ. والله خلقَ الأسبابَ ومسبَّباتِها، وجعلَ السببَ ينتج المسَبَّب حَتماً، ولو لَم ينتجه لَمَا كان سَبباً. ولذلك لا يجوزُ أن يُعتَقَدَ أنَّ الدعاءَ طريقةٌ لقضاءِ الحاجة حتى لو استجابَ اللهُ وقُضِيت الحاجةُ بالفعلِ. لأن الله جعلَ للكونِ والإنسان والحياة نظاماً تسيرُ عليه، وربطَ الأسبابَ بالمسبَّبات. والدعاءُ لا يؤثِّرُ في خرقِ أنظمة اللهِ ولا في تخلُّفِ الأسبابِ. وإنما الغايةُ من الدُّعاء تحصيلُ الثوابِ بامتثال أمرِ الله. وهو عبادةٌ من العباداتِ.

كما أن الصلاةَ عبادةٌ والصومَ عبادةٌ والزكاةَ عبادةٌ الخ. فكذلك الدعاءُ عبادةٌ. فيدعو المؤمنُ ويطلب من الله قضاءَ حاجتهِ، أو كشفَ غُمَّتِهِ، أو غير ذلك من الأدعيةِ المتعلِّقة بالدُّنيا والآخرةِ إلتجاءً إلى الله، وخُضوعاً وطلباً لثوابهِ، وامتثالاً لأوامرهِ. فإن قُضيت حاجته كان فَضلاً من اللهِ. ويكون قضاؤُها وفقَ أنظمةِ الله سائراً على قاعدةِ ربطِ الأسباب بالمسبَّبات، وإن لَم يَقْضِها كتبَ له ثوابَها.

وعلى هذا الوجهِ ينبغِي أن يكونَ الدُّعاءُ من المسلمِ خُضوعاً لله، وامتثالاً لأمرهِ وطلباً لثوابه، سواءٌ قُضيت حاجتهُ أم لَم تقضَ. ويجوزُ للمسلم أن يدعو بأيِّ دُعاءٍ يريدهُ بالقلبِ أو اللسان أو بأيِّ تعبيرٍ يراهُ، ولا يتقيَّدُ بدعاءٍ معيَّن. فله أن يدعوَ الأدعيةَ الواردةَ في القُرْآنِ، وله أن يدعو الأدعيةَ الواردة في الحديثِ، وله أن يدعوَ بدُعاء من عندهِ، أو بدعاءٍ دَعَا به غيره. فلا يقيَّدُ بدعاء معيَّن، وإنما يطلبُ منه أن يدعو اللهَ تعالى. إلاَّ أن الأفضلَ أن يدعو بما وردَ في القُرْآنِ أو الحديثِ.